الولاء
هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم .
البراء
هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية ، تجب محبته وموالاته ونصرته . وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدرة والإمكان ، قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) .
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح ، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) [ أخرجه أبو داود ] .
قال شيخ الإسلام: في أصل معنى الولاية والعداوة: "والولاية ضدّ العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد. وقد قيل: إنّ الولي سمّي ولياً من موالاته للطاعات، أي: متابعته لها، والأول أصح، والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا أي: يقرب منه"(1)
مفهوم الولاء والبراء
الموالاة تعني المحبة والنصرة والاتباع بالقول أو الفعل، قال تعالى: >> إنَّمّا $ّلٌيٍَكٍمٍ اللَّهٍ ورّسٍولٍهٍ والَّذٌينّ آمّنٍوا << (المائدة:55).
والبراء يعني التبرؤ من الأعداء وعدم موالاتهم بالقول أو الفعل، قال الله تعالى: >> لايّتَّخٌذٌ الًمٍؤًمٌنٍونّ الًكّافٌرٌينّ أّوًلٌيّاءّ مٌن دٍونٌ الًمٍؤًمٌنٌينّ $ّمّن يّفًعّلً ذّلٌكّ فّلّيًسّ مٌنّ اللَّهٌ فٌي شّيًءُ << (آل عمران:28).
وقال تعالى: >> لا تّجٌدٍ قّوًمْا يٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ $ّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ يٍوّادٍَونّ مّنً حّادَّ اللَّهّ $ّرّسٍولّهٍ $ّلّوً كّانٍوا آبّاءّهٍمً أّوً أّبًنّاءّهٍمً أّوً إخًوّانّهٍمً أّوً عّشٌيرّتّهٍمً << (المجادلة:22). إن البراء من الكفار لا يعني عدم التعامل معهم أو اعتزالهم وإعلان الحرب عليهم، إنما يعني التبرؤ من عقائدهم التي تؤدي إلى الشرك بالله تعالى، والتبرؤ من تشريعاتهم التي تناهض تشريع الله تعالى وحكمه، قال تعالى: >> أّفّحٍكًمّ الًجّاهٌلٌيَّةٌ يّبًغٍونّ ومّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ حٍكًمْا لٌَقّوًمُ يٍوقٌنٍونّ =>50<= << (المائدة).
والمقصود بالولاء لهم من دون المؤمنين هو مناصرتهم عليهم وقبول عقائدهم وتشريعاتهم المناهضة للإسلام.
لهذا قال الله تعالى: " >> ومّن يّتّوّلَّهٍم مٌَنكٍمً فّإنَّهٍ مٌنًهٍمً << (المائدة:51) وقال الله تعالى: >> إنَّمّا يّنًهّاكٍمٍ اللَّهٍ عّنٌ الَّذٌينّ قّاتّلٍوكٍمً فٌي الدٌَينٌ $ّأّخًرّجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً وظّاهّرٍوا عّلّى" إخًرّاجٌكٍمً أّن تّوّلَّوًهٍمً ومّن يّتّوّلَّهٍمً فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الظَّالٌمٍونّ (9) << (الممتحنة).
يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى:" >> وّمّن يّتّوّلَّهٍم مٌَنكٍمً فّإنَّهٍ مٌنًهٍمً << (المائدة:51) المعنى هنا: "ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه، ولذلك حكم من حكم من أهل العلم لنصارى بني تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بني إسرائيل لموالاتهم إياهم، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة، وأصل دينهم لدينهم مفارقاً"(1).
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا تعقيباً على كلام الطبري: "وقد قيد ابن جرير الطبري الولاية بكونها لأجل الدين كما كانت الحال في ذلك العصر، إذ قام المشركون وأهل الكتاب يعادون المسلمين ويقاتلونهم لأجل دينهم، وقد تقع الموالاة والمخالفة والمناصرة بين مختلفين في الدين لمصالح دنيوية، فإذا حالف المسلمون أمة غير مسلمة على أمة مثلها، لاتفاق مصلحة المسلمين مع مصلحتها فهذه المحالفة لا تدخل في عموم كلامه، لأنه اشترط أن يكون ذلك لمقاومة المسلمين"(2)
ويقول الخازن في تفسيره: " >> $ّمّن يّتّوّلَّهٍم مٌَنكٍمً فّإنَّهٍ مٌنًهٍمً << (المائدة:51) يعني ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فينصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، لأنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو راض به وبدينه، وإذا رضيه ورضي دينه صار منهم، وهذا تعليم من الله تعالى وتشديد عظيم في مجانبة اليهود والنصارى، وكل من خالف دين الإسلام"(3).
ومن محاسن التأويل للقاسمي: "واعلم أن الموالاة التي هي المباطنة والمشاورة وإفضاء الأسرار للكفار لا تجوز، فإن قيل: لقد جوز كثير من العلماء نكاح الكافرة، وفي ذلك من الخلطة والمباطنة بالمرأة ما ليس بخاف؟ فجواب ذلك: أن المراد موالاتهم في أمر الدين وفيما فيه تعظيم لهم، إلى أن قال: فحصل من هذا أن الموالي للكافر الفاسق عاص ولكن أين تبلغ معصيته؟ يحتاج إلى تفصيل.
إن كانت الموالاة بمعنى الموادة، وهو يوده لمعصيته كان ذلك كالرضا بالمعصية، وإن كانت الموالاة كفراً كَفَـرَ وإن كانت فسقاً فسق، وإن كانت لا توجب كفراً ولا فسقاً لم يكفر ولم يفسق.
وإن كانت الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة: فإن كانت محالفة على أمر مباح واجب كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم ويحالفونهم على ذلك فهذا لا حرج فيه، بل هو واجب وإن كانت على أمر محظور كأن يحالفوهم على أخذ أموال المسلمين والتحكم عليهم فهذه معصية بلا إشكال.وكذلك إن كانت بمعنى أن يظهر سر المسلمين ويحب سلامة الكافرين لا لكفرهم، بل ليدلهم عليه أو لقرابة أو نحو ذلك فهذا معصية بلا إشكال، لكن لا تبلغ حد الكفر، لأنه لم يرو أن رسول الله ص حكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة".(4)
قال القاسمي: إن الذي يوجب الكفر من الموالاة أن يكون من الموالي الرضا بالكفر، والذي يوجب الفسق هو أن يحصل الرضا بالفسق.(5)
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "إن المحظور في باب الولاية أن يوالي نفراً من المسلمين، اليهود والنصارى ويتعاهدوا على التناصر معهم من دون المؤمنين، أو يوالوا منهم بالتحدث معهم ضد باقي المسلمين، أما ما يكون من التحالف مع غير المسلمين لأجل مصلحة للمؤمنين أو دفع ضرر عنهم فهو موضع اجتهاد، والجمهور والعلماء يجيزونه".(6)
علاقة الحب والبغض بالولاء والبراء
الحب والبغض هما أصلا الموالاة والمعاداة.
قال شيخ الإسلام: "أصل الموالاة هي المحبة، كما أنّ أصل المعاداة البغض، فإن التّحابّ يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي: وهو القرب، وهو يلي هذا، أي: هو يقرب منه. والعدو من العدواء وهو البعد، ومنه العُدْوَة، والشيء إذا ولى الشيء ودنا منه وقرب إليه اتّصل به، كما أنه إذا عُدّى عنه، ونأى عنه، وبعد منه، كان ماضياً عنه"(2) (2) قاعدة في المحبة (ص 198).
أهمية عقيدة الولاء والبراء
- الولاء والبراء شرط في الإيمان:
قال تعالى: {تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ} [المائدة:80، 81].
يقول شيخ الإسلام في توضيح هذه الآية: "فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه"[1].
- الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((أي عرى الإيمان أوثق؟)) قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)) رواه أحمد (4/286)،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) البخاري (16)، ومسلم (43).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسط يدك حتى أبايعك، واشترِط عليّ فأنت أعلم، قال: ((أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين)) أخرجه أحمد (4/365). والنسائي في البيعة (4177)، وصححه الألباني في صحيح السنن (3893).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحبّ ما أحبّه الله، ويبغض ما أبغضه الله"
ولاء المؤمنين بعضهم بعضاً
أ- وجوب ولاء المؤمنين بعضهم بعضاً:
قال تعالى: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71].
وقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ} [المائدة:55، 56].
قال شيخ الإسلام: "إنّ المؤمنين أولياء الله وبعضهم أولياء بعض، والكفار أعداء الله وأعداء المؤمنين، وقد أوجب الموالاة بين المؤمنين، وبيّن أن ذلك من لوازم الإيمان، ونهى عن موالاة الكفار، وبين أن ذلك منتف في حقّ المؤمنين"
وقال الشيخ صالح الفوزان: "يجب على كلّ مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم، وذلك ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم.
فالمؤمنون إخوة في الدين والعقيدة وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وأزمانهم قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]. فالمؤمنون من أول الخليقة إلى آخرها مهما تباعدت أوطانهم وامتدت أزمانهم إخوة متحابّون يقتدي آخرهم بأوّلهم، ويدعو بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض"
ب- من مظاهر موالاة المؤمنين
1- الهجرة إلى بلاد المسلمين وهجر بلاد الكافرين:
قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [النساء:96، 97].
وقال سبحانه: {وَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ فِى ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَة وَلأجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:41، 40].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله))
2- مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم.
3- التألم لألمهم والسرور بسرورهم.
4- النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم.
5- احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم.
6- أن يكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء.
7- احترام حقوقهم، فلا يبيع على بيعهم، ولا يسوم على سومهم، ولا يخطب على خطبتهم، ولا يتعرّض لما سبقوا إليه من المباحات. 9- الدعاء لهم والاستغفار لهم.
وقال الشيخ سليمان آل الشيخ: "فهل يتمّ الدين أو يقام عَلَم الجهاد أو عَلَمُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"
وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن الولاء والبراء: "[إنهما] مظهران من مظاهر إخلاص المحبة لله، ثم لأنبيائه وللمؤمنين. والبراءة: مظهر من مظاهر كراهية الباطل وأهله، وهذا أصل من أصول الإيمان"(1)
أصناف الناس في ميزان الولاء والبراء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه.
فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان.
ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان.
قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ} [المائدة:55، 56]، وقال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [المائدة:51]، وقال: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71].
ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أعطِي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرّد الذنوب والمعاصي كما يقول الخوارج والمعتزلة.
ولا يجعَل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة، قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:9، 10]، فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي"
وقال في موضع آخر: "ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك...".
وقال الشيخ صالح الفوزان في أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء: "الناس في الولاء والبراء على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من يُحَبّ محبّةً خالصة لا معاداة معها: وهم المؤمنون الخلَّص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وفي مقدّمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه تجب محبته أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ثم زوجاته أمهات المؤمنين، وأهل بيته الطيبين وصحابته الكرام... ثم التابعون والقرون المفضلة وسلف هذه الأمة وأئمتها... قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، ولا يبغض الصحابة وسلف هذه الأمة من في قلبه إيمان، وإنما يبغضهم أهل الزيغ والنفاق وأعداء الإسلام كالرافضة والخوارج، نسأل الله العافية.
القسم الثاني: من يبغَض ويعادَى بغضاً ومعاداة خالصين لا محبّة ولا موالاة معهما: وهم الكفار الخلّص من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين على اختلاف أجناسهم كما قال تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]، وقال تعالى: عائباً على بني إسرائيل: {تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ} [المائدة:80، 81].
القسم الثالث: من يُحَبّ من وجهٍ ويبغَض من وجه، فيجتمع فيه المحبّة والعداوة: وهم عصاة المؤمنين يحَبّون لما فيهم من الإيمان، ويبغَضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك، ومحبّتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم بل ينكَر عليهم، ويؤمَرون بالمعروف، وينهَون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفّوا عن معاصيهم ويتوبوا من سيئاتهم، لكن لا يبغَضون بغضاً خالصاً، ويتبرّأ منهم كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يحبّون ويوالَون حباً وموالاة خالصَين كما تقوله المرجئة، بل يُعتدَل في شأنهم على ما ذكرنا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة"[3].
فضيلة الولاء والبراء
قضية الولاء والبراء، الإخوان كانوا أسبقَ الجماعات إلى تقريرها، فهم يُوالُون كلَّ مَن والَى الله ورسوله وجماعة المؤمنين، كما قال تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ورَسُولُهُ والذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِيمونَ الصَّلاةَ ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ رَاكِعونَ. ومَنْ يَتَوَلَّ اللهَ ورَسولَهُ والذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبونَ) (المائدة:55/56). وهم يُعادُون كلَّ مَن عادَى الله ورسولَه والمؤمنين: (يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (الممتحنة:1).
الأستاذ البنا في رسائله يؤكِّدعلى
هذه القضية، فأوثق عُرَى الإيمان: الحُبّ في الله، والبُغض في الله. وهل الإيمان إلا الحبّ والبغض؟
وفي رسالة التعاليم في ركن "التجرُّد" يقول: "أريد بالتجرَّد: أن تتخلّص لفكرتِك مِمّا سِواها من المبادِئ والأشخاص؛ لأنّها أسمى الفِكَر وأجمعُها وأعلاها: (صِبْغَةَ اللهِ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغةً) (البقرة:138). (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ والذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمّا تَعْبُدونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيَنْكُمُ العَداوةُ والبَغْضاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4). والناس عند الأخ الصّادق واحدٌ من ستة أصناف: مسلم مجاهِد، أو مسلِم قاعد، أو مسلم آثِم، أو ذِمِّي مُعاهِد، أو مُحايِد، أو مُحارِب، ولِكُلٍّ حكمه في ميزان الإسلام. وفي حدود هذه الأقسام تُوزَن الأشخاص والهيئات، ويكون الوَلاء والعداء" أهـ. (رسالة التعليم، مجموع الرسائل ص 363.)
لا أحسب عالمًا أو منصفًا يتَّهِم صاحب هذا الكلام بأنه لا يعرف الولاء والبراء، أو المُوالاة والمُعاداة في الله، بل لقدْ رَبَّى جيلاً يُحبّ في الله، ويُبغِض في الله، ويُوالي في الله، ويُعادِي في الله.
والإخوان كانوا أشدَّ الناس على المستعمِرين والصَّهايِنة، الذين احتلُّوا ديار الإسلام لمقاوِمة هؤلاء، فلا يُتصوَّر أن يُتَّهموا بدعوَى الولاء لهم.
أخوّة المواطنين من غير المسلمين:
ولكن الإخوان يفرِّقون بين هؤلاء وبين مواطنيهم، الذين يَعيشون في دار الإسلام، وهم من أهل البلاد الأصليّين، وقد دخل الإسلام عليهم وهم فيها، وأعطاهُم الذِّمّة والأمان أن يعيشوا مع المسلمين وفي ظِلِّ حكمهم، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، إلا ما اقتضاه التميِيز الديني.
فهؤلاء لم يَنْهَ الله تعالَى عن بِرِّهم والإقساط إليهم، كما في قوله تعالى: (لاَ يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ) (الممتحنة: 8).
فهؤلاء لهم حَقّ البِرِّ والقسط، والقسط هو العدل، والبِرُّ هو فوق العدل، وهو الإحسان.
القِسط: أن تُعطيَهم حَقَّهُم، والبِرّ أن تَزيد على ما هو حقّ لهم!
القسط: أن تأخُذ منهم الحقَّ الذي عليهم، والبِرّ أن تتنازَل عن بعض حقِّك عليهم.
فهؤلاء ـ إذا كانوا من أهل وطنِك ـ لك أن تقول: هم إخواننا، أي إخواننا في الوطن، كما أن المسلمين ـ حيثما كانوا ـ هم إخواننا في الدّين. (والفُقهاء يقولون عن أهل الذمة: هم من أهل الدار، أي دار الإسلام). فالأُخُوّة ليست دينيّة فقط كالتي بين أهل الإيمان بعضِهم وبعض، وهي التي جاء فيها قول الله تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10). بل هناك أُخُوّة قوميّة، وأخوة وطنيّة، وأُخوة بشريّة.
والقرآن الكريم يحدِّثنا في قَصص الرُّسل مع أقوامِهم الذين كذَّبوهم وكفروا بهم، فيقول: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقونَ) (الشعراء: 105،106). (كَذَّبَتْ عَادٌ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:123،124). (كَذَّبَتْ ثَمودُ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخوهُمْ صَالِحٌ) (الشعراء:142،141). (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخوهُمْ لُوطٌ..) (الشعراء:160،161).
كيف أثبت الله الأُخوّة لهؤلاء الرسل مع أقوامهم مع تكذيبهم لهم وكفرهم بهم ؟ لأنّهم كانوا منهم، فهم إخوتهم من هذه الناحية، فهي أُخوّة قوميّة، ولذا قال عن شعيب في نفس السّورة: (كَذَّبَ أَصْحابُ الأيْكَةِ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقونَ) (الشعراء:176،177). وذلك أَنَّه لَم يكن منهم، وإنما كان من مَدْيَنَ؛ ولذا قال في سورة أخرى: (وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) (هود: 84).
وإذا أثبتَ القرآنُ هذه الأخوةَ القوميّة بين الرسل وأقوامهم، فلا حرجَ أن نُثبِتَ أُخوّة وطنية بين المسلمين ومُواطنيهم من الأقباط في مصر، أو أمثالهم في البلاد الإسلامية الأخرى.
ولا يكون ذلك سببًا للطعن في عقيدة الإخوان، وأنهم لا يعرفون الولاء والبراء في عقيدتهم، بل يكون هذا من حسن فقه الإخوان، وفَهمهم عن الله ورسوله ما لا يَفهم الآخَرون. (2)
Comments
Post a Comment