السعادة مرتبطة بالإيمان بالله
ونجد أيضاً أن ارتباط سعادة الإنسان بحقيقة هذا المعبود ارتباطاً وثيقاً لأنه إذا كان الذي يعبده ويعظمه أهلاً لهذا كونه الخالق له والرحيم به والقوي عليه والبصير به، فإن تلك العبادة ستجلب له الهناء والسعادة في حياته، وسيجني من خلالها الغذاء والأمان لروحه قبل جسده.
أما إذا كان الذي يعبده بشراً له هوى ينحاز، وله فكر يخطئ، وله عمر ينتهي.. فإن تلك العبادة ستجر عليه العذاب في دنياه قبل آخرته، مثلما جنى عُبّاد الأوثان من عبادتهم الحجر الذي لا يسمع دعاءهم ولا يجيبه، ولا يستطيع نصرهم، ولا تحقيق أمانيهم وآمالهم، بل سيكون وقوداً للنار التي ستحرقهم في الآخرة، ومثلما جنى عباد البشر كالذين كانوا يعبدون فرعون ويؤلهونه، واليوم الذين يعبدون رؤساءهم وحكامهم، أو الذين يعبدون أبطالهم وصانعي أنظمتهم، أو الذين يعبدون من يحبونه حباً أعمى وخاطئا، وهكذا.
فكل من هؤلاء تحيق به الحسرة والندامة من بعد صحوته من تلك العبادة الخاطئة والمهلكة.
ولهذا كله أتى الإسلام للبشر بعقيدة سليمة وعبادة صحيحة، فوجه عبادتهم إلى الذي يستحق بحق هذه العبادة، والتي عبادته لا يجني الإنسان من ورائها إلا الطهارة والهناء لروحه، والنعيم والصحة لجسده.
لهذا فإذا لم يفصل الإسلام ولم يسهب في أي من العلاقات السابقة فرضاً، فلا بد له أن يأتي بالتفصيل ههنا في هذه العلاقة المهمة التي يقيمها الإنسان مع الخالق، والتي تقوم جميع التشريعات والقوانين والأوامر والنواهي التي أتى بها الإسلام على هذه العلاقة، فإذا توطدت وقويت كان الإتيان بتبعاتها أسهل وأقوى.
وقد بين الإسلام أركان هذه العلاقة:
1-الركن الأول
هو العبادة الخالصة لله تعالى.
والعبادة كما أسلفنا لا تعني فقط أداء الصلاة أو الصوم أو غيره من الفرائض، وإنما تعني توجه النية في كل عمل من أعمال الإنسان الدينية والدنيوية لله تعالى، وبقصد التعبد له والتقرب إليه وابتغاء مرضاته.
ولا تتحقق هذه العبادة على الوجه الأكمل إلا إذا وجدت المعرفة اليقينية التامة بالله تعالى، وبصفاته وأسمائه العليا، ومن خلال هذه المعرفة ينشأ الحب والرهبة، والخضوع والإخلاص، والرجاء والخوف، والتوجه الدائم له، وإيجاد الملاذ والملجأ الأمين فيه دائماً. والأنس بمناجاته ودعائه والتضرع إليه، ومراقبته في الأعمال التي ترضيه فيسارع إليها، والتي تسخطه وتغضبه فيبتعد عنها، وتقواه وخشيته على الدوام،
والالتزام بشرعه ودينه الذي أنزله، والاستقامة على منهاجه ونظامه، وعلى طريقه المستقيم الذي رسمه للناس أجمعين، فعبادته في كل هذا تكون في الإعلان وبين جموع الناس، وفي السر والخلوة بين هدأة السكون ووحشة الليل، وانصراف باقي الخلق إلى مشاغلهم أو نومهم، وفي حالة السرور عند حدوث الأفراح وإجابة الدعاء وفي المناسبات والأعياد، فكلها يجب أن يعبد الله فيها ويشكر ولا ينسى أبداً.
«من كان مع الله في الرخاء كان معه في الشدة».
وفي حالة السرور كثيراً ما ينسى الناس الله وتنفيذ شرعه وأوامره، فربما يقعون في المعاصي والمنكرات التي لا يرضاها الخالق لهم ظناً منهم أن ساعة الفرح هي ساعة الإجازة من الالتزام بدين الله وساعة تفلت القلوب من مراقبة الله وخشيته وتقواه، فلذا هي ساعة يعبد فيها الشيطان وهوى النفس فقط، وهذا البلاء قد عمّ وانتشر انتشاراً واسعاً بين المسلمين، حتى بين أوساط الملتزمين أو الذين يدعون الالتزام بدين الله.
ولكن لو يتذكر هؤلاء أن ساعة الفرح والسرور قد تنقلب ساعة حزن وهم في أقل من ثانية، وعندئذ هل يعبد الشيطان ويتوجه إليه بالدعاء والإغاثة؟ أم هل تستطيع النفس والقلب الغافل أن ينجد صاحبه من حزنه وغمه؟ بل على العكس تماماً، لا يُطلب في هذه الساعة إلا الله، ولا يُدعى إلا هو، ولا يُلتفت إلا إليه،ولا تنكسر القلوب وتخضع إلا له، وصدق المولى عز وجل عندما يقول:
(وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (يونس:12)
لهذا يجب على الإنسان أن يتعلق بخالقه ويعبده، ويراقبه في أي حالة كان عليها، في الفرح قبل الحزن، وفي الفرج قبل الضيق، وفي الشباب قبل الهرم، وفي الصحة قبل المرض، وفي الحياة قبل اقتراب الموت ونزاع الروح.
وفي الغنى قبل الفقر، وفي الشبع قبل الجوع والعطش.
ففي كل هذه الأحوال يجب على الإنسان أن لا ينسى ربه أبداً، ويتذكر دوماً أن الله قادر على أن يبدل فرحه إلى حزن، وضحكه إلى بكاء في لحظة واحدة.
وأن يتذكر أن الذي أنعم عليه وسرّه وحقق له كل ما يطلب؛ قد أشقى غيره وحرمهم مما هو يتمتع فيه، وقد يصبح واحداً منهم في أي لحظة.
لذا يجب أن يبقى قلبه بين الشكر والصبر، وبين الرجاء والخوف، وبين الأمل والاستسلام. فبهذا يبقى على اتصال دائم مع الله، وتبقى علاقته بخالقه قوية ومستمرة إلى آخر عمره، وإلى ما بعد موته.
2-الركن الثاني
هو الإيمان بالله واعتقاده رباً واحداً لا شريك له، ولا نظير لصفاته، ولا شبيه لأفعاله، والإيمان بالتالي برسله وطاعتهم ومحبتهم واحترامهم، والتزام ما جاؤوا به، والإيمان والتصديق به. والإيمان كذلك بملائكته التي ذكرها القرآن أو التي لم يذكرها: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) (المدثر: من الآية31).
والإيمان بها على أنها من مخلوقات الله وهي كما ذكرها الله تعالى ورسوله مجبولة على طاعة الله وعدم عصيانه وعلى عبادته وتسبيحه على الدوام، وعلى أنها لا تتصف لا بذكورة ولا بأنوثة إلى آخر صفاتها التي يجب معرفتها والاعتقاد بها كما جاء بها الإسلام، والإيمان كذلك بالكتب المنزلة الخالية من التحريف والتغيير. والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وهذا الإيمان هو الذي يفتقده كثير من البشر، والذين يشقون وينتحرون ويعذبون أنفسهم بسبب عدم إيمانهم به.
فلو أن أي إنسان تمسك بهذا الإيمان لغدت حياته كلها سعادة، ولغدت مصائبه شوكاً يؤلم غرسه ثانيةً ثم يزول، وبهذا يتميز المسلمون الذين يتمسكون بأركان الإيمان السابقة كلها، فهم غير مشتتين نفسياً بسبب تمزق قلوبهم بين معتقد وآخر، وبين معبود وآخر.
وهم غير متشددين يحاربون جميع الأديان وجميع الرسل، ولا يعترفون بفضلهم على الإنسانية، ولا بكتبهم التي سيّرت حياة أممهم نحو الطريق المستقيم -طبعاً قبل أن تحرف أو تلغى أحكامها بمجيء الإسلام-
وهم أيضاً غير مريضين جسدياً ولا نفسياً بسبب عدم صبرهم ورضاهم عن مصائب هذه الدنيا، فلا ينهكون الجسد والروح بعدم الرضا والسخط على كل الحياة والتشاؤم منها، وبالتالي إلى الانتحار وقتل النفس المعذبة في الدنيا والآخرة.
خاتمة
حتى يحافظ الإسلام على هذه العلاقة بين الإنسان وخالقه أوجد عبادات متواصلة ومتتابعة بدءا بالصلاة ومرورا بالصوم والحج وغيرها،، وهذه العبادات تربط الإنسان بخالقه وتجعل صلته به دائمة وليست آنية أو وقت الشدة والحاجة.
Comments
Post a Comment