Skip to main content
فإنه لا شك أن في الجنة فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، مما لا يوجد مثله في الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. متفق عليه.
وقد تواترت الأدلة على أن الإنسان لا يتمنى شيئًا في الجنة إلا حققه الله له، وأنه سيعطيه الله تعالى فوق طموحاته وأمانيه، فقد قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا {الفرقان:16} وقال جل وعلا: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31}.
قال ابن كثير في تفسيره: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ" من الملاذ، من مآكل، ومشارب، وملابس، ومساكن، ومراكب، ومناظر، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد. اهـ
وفي فتح القدير: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ أي: لهم في الجنات ما تقع عليهم مشيئتهم صفوًا عفوًا يحصل لهم بمجرد ذلك. اهـ
وقد جاء في وصف الجنة في القرآن الكريم، وفي السنة الثابتة ما ليس معهودًا في الدنيا في عدة آيات وأحاديث:
منها: قوله تعالى في سعتها: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]
ومنها: قوله في أنهارها وثمارها: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:35].
وقوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[محمد:15].
وجاء في مساكنها: ما في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجنة وبنائها، فقال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. وصححه الألباني.
وروى أحمد في المسند عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام. ورواهالترمذي عن علي، وصححه الألباني.
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلًا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن.
وجاء في شأن أشجارها: ما روى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب. صححهالألباني.
وجاء في خلودهم ودوام نعيمهم وصحتهم وجمالهم: ما في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقًا، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، فذلك قوله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - واللفظ للبخاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعًا.
وللفائدة: فقد قال الحافظ ابن حجر في شرح الألنجوج: الألنجوج: بفتح الهمزة واللام، وسكون النون، بجيمين: الأولى مضمومة، والواو ساكنة، هو العود الذي يتبخر به، ولفظ الألنجوج هنا تفسير الألوة، والعود تفسير التفسير. انتهى.
وروى البزار والطبراني والبيهقي بإسناد صحيح عن جابر قال: قيل: يا رسول الله، أينام أهل الجنة؟ قال: لا؛ النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون، ولا ينامون.
والكلام في هذا طويل، وينبغي للمسلم البحث عن الوسائل التي ترضي الله تعالى؛ حتى يدخله الجنة، ويجد فيها ما تطمح نفسه اليه.
والله أعلم.
Comments
Post a Comment